“الذهب” ينتعش، و”الدولار” يتراجع، و”الأسواق الناشئة” تبحث عن نصيبها
أحدث بيان هام صدر عن البنك الاحتياطي الفيدرالي (Federal Reserve) وهو البنك المركزي للولايات المتحدة في ديسمبر 2025 والذى أعلن خلاله عن خفض سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي إلى نطاق يتراوح بين 3.50% و 3.75%. .
هذا القرار مثل “تغيير التروس” في سيارة الاقتصاد العالمي حيث يعكس تحولاً من سياسة التشدد (رفع الفائدة لمكافحة التضخم) إلى سياسة أكثر توازناً ومرونة مع التركيز على دعم سوق العمل وتجنب الركود مع استمرار القلق بشأن التضخم.
وعندما يقرر الفيدرالي خفض سعر الفائدة فإنه يهدف عادةً إلى تحفيز الاقتصاد عن طريق جعل الاقتراض أرخص . وتتفاوت تأثيرات هذا القرار على الأسواق ويمكن تلخيص هذه التاثيرات فيما يلى
- سعر الدولار الأمريكي (USD): من المتوقع تراجعه نتيجة توقع انخفاض العائد على الدولار وأصوله مما يقلل جاذبيته للمستثمرين الدوليين.
- من المتوقع ارتفاع أسعار الذهب لان ضعف الدولار يجعل الذهب أرخص لحائزي العملات الأخرى كما أن خفض الفائدة يقلل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب .
- تتحسن فرص الاستثمار فى أسواق الأسهم فى الولايات المتحدة بشكل عام لان انخفاض تكلفة الاقتراض للشركات والأفراد يدعم الإنفاق والاستثمار ونمو الأرباح كما أن السياسة النقدية التيسيرية تزيد من السيولة في الأسواق وتجعل الاستثمار في الأسهم أكثر جاذبية مقارنة بالسندات والدولار.
- تنخفض أسعار الفائدة على القروض العقارية والشخصية وقروض الشركات ولكن خفض الفائدة يحفز الإنفاق ويزيد السيولة مما قد يزرع بذور التضخم في المستقبل.
- يسعى المستثمرون للعائد الأعلى مما يدفع رؤوس الأموال إلى الأسواق التي تقدم أسعار فائدة أعلى لأن خفض الفائدة يؤدي إلى ضعف الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى مما يجعل الأصول المقومة بالعملات المحلية في الأسواق الناشئة أرخص وأكثر جاذبية للمستثمر الأجنبي كما أن انخفاض العائد على الاستثمار في الولايات المتحدة (مثل السندات) يوجه المستثمرون العالميون للبحث عن عوائد أعلى في الأسواق الناشئة التي تقدم أسعار فائدة مرتفعة نسبيًا.
- تأثير قرار الفيدرالي على سعر النفط معقد وله اتجاهان متعاكسان:
أ. التأثير الإيجابي (الداعم لارتفاع سعر النفط):
- النفط يُسعّر بالدولار الأمريكي وعندما يضعف الدولار (بسبب خفض الفائدة) يصبح النفط أرخص لحائزي العملات الأخرى مما يزيد الطلب عليه. من ناحية أخرى فأن خفض الفائدة يهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي عالمياً والنمو الأقوى يعني زيادة الطلب على الطاقة (النفط) مما يرفع سعره.
ب. التأثير السلبي (المُعيق لارتفاع سعر النفط):
- تخوف من التباطؤ: في بعض الأحيان يفسر السوق قرار خفض الفائدة على أنه إقرار من الفيدرالي بوجود مخاطر تباطؤ أو ركود اقتصادي وشيك والتباطؤ يعني انخفاضاً في النشاط الصناعي والنقل وبالتالي انخفاض الطلب على النفط مما يضغط على أسعاره.
الخلاصة في المدى القصير قد يغلب تأثير ضعف الدولار وشهية المخاطرة مما يدعم سعر النفط لكن على المدى المتوسط، سيعتمد سعر النفط بشكل رئيسي على مدى نجاح الفيدرالي في تحقيق “الهبوط الناعم” للاقتصاد الأمريكي وتجنب الركود العالمي الذي يخفض الطلب الفعلي على الطاقة.
- تأثير القرار على مصر : قرار خفض الفائدة الأمريكية يمثل عامل دعم إيجابي للجنيه المصري حيث يزيد من جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر في أدوات الدين المحلية ويخفف من ضغط الدولار وكما يلى :
- عندما يخفض الفيدرالي سعر الفائدة يقل العائد على الاستثمار في أدوات الدين الأمريكية (3.50% – 3.75%) وهذا يجعل أذون الخزانة المصرية ذات الفائدة المرتفعة أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين الباحثين عن عائد أعلى وهذا يؤدي إلى تدفقات نقد أجنبي (بالدولار) إلى مصر مما يدعم قيمة الجنيه مقابل الدولار ويزيد من السيولة الدولارية في السوق المحلية.
- ضعف الدولار عالمياً بعد خفض الفائدة يعني أن تكلفة استيراد السلع المقومة بالدولار على مصر تنخفض نسبياً مما يخفف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي وعلى سعر الجنيه المصرى في المدى القصير إلى المتوسط .
قرار خفض الفائدة يزيد بشكل عام من شهية المستثمرين للمخاطرة (Risk Appetite) والبحث عن الأسواق الناشئة مما يزيد الاهتمام الاستثماري في مصر (سواء في البورصة أو أدوات الدين) مما يمثل عاملاً إيجابياً للجنيه المصرى .
أيمن حسن سليمان نائب أول مدير عام في بنك مصر

